الطريق إلى النصـر
تمر ذكرى ميلادها الستين ، يلاطفها فلذة كبدها :
_ ما زلت شابة ، كأنك في الثلاثين ..
فتفرح وترد :
_ قُل في الأربعين ؛ قُل في الخمسين ؛ أصدقك ..
كانت أصوات ضحكاتهما تملأ غرفته الصغيرة ، ويسألهـا :
_ أمي أي الشاي الرائع الذي تعدينه
وترد : ينتظر من يحضره يا عزيزي
فيقوم من مكانه مسرعـًا ليُحضره ، ويعود يُنشد لها بعض الكلمات السعيدة .. يصب فنجانا لأمه ؛ ترشف منه رشفة ، فيُلح عليها أن يرشف من ذات الفنجان ... وتضحك ،
_ يا الله ؛ كم تذكرني بوالدك الشهيد ، أنت مثله تماما ، تشبهه في كل شيء " تقول أمه "
_ رحمه الله ، كان شهما ، كم كنت أحبه ، رباني على الخير والرجولة ..
يمر الوقت ؛ تنظر إلى الساعة :
_ لقد تأخر الوقت يا ولدي ، نم لترتاح ..
_ نعم ، لم أشعر به وسط هذه الأجواء السعيدة يا أمي ،
_ تصبح على خير ..
_ وأنت من أهله يا حبيبة القلب ، يا أحلى أم .
وتخرج الأم من غرفته ، ترضى من كل قلبها عنه ،
ويقف هو فوق سجادة الصلاة يُصلي لله ركعتين ، يدعو الله أن يحفظ أمه وأن يتقبل أباه .
مرت ساعتان .. قبل أن تستيقظ الأم على صوت ضجة في بيتها وجلبة ، فزعت ، وأسرعت لتنظر ما الذي يحدث ..
فصُدمت ، وراحت تصرخ : يا أنذال ؛ دعوه ، اتركوه
( اختطفوا ولدها ، عصبوا عيونه وكبلوه )
وتحاول مقاومتهم ، وتخليص ولدها الوحيد منهم ..
حاولت لكنهم ضربوها ، وأبعدوها ، فجلست تناديه وتبكي : ولدي . . ولدي . .
وقلبه يعتصر ألمـًا ،
_ أمي اصبري ، هذا طريقنا
( ثم أخذوه إلى المعتقل )
تمر الأيام والشهور ، وهي لا تدري ما حل بابنها ، ممنوعة من رؤيته ، محرومة من أخباره ، ويكبر في قلبها الهم والحزن ، وقد نحل جسدها وضعف ..
تقلب الإذاعات علها تسمع عنه خبرا ،
وتتنقل بين المؤسسات الحقوقية ، تسأل عنه . . . لا خبــــــر
وفي يومٍ ، سمعت ضجة وأصوات رجال خارج المنزل ، فتحت الباب لتنظر ؛ فإذا هم رجال يحملون شيئا أبيضـًا ، كانوا يحاولون إخبارها ...
نظرت إليهم ، فتحدرت دمعاتها على وجنتيها ، وتمتمت : الحمد لله ، ثم قالت : أنزلوه ..
كشفت عن وجهه الناصع ، قبلته ، ثم همست في أذنه :
حتى في هذه يا حبيبي تشبه أباك .
آلـاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق